تسلط النزعة الغوغائية التحريضية على وعي الشارع ومحاولة اعادة صياغته
يمنات
جلال حنداد
(غاغة ومفراغة)
العنوان بين القوسين اسم برنامج في حلقات درامية كوميدية انتجته وتبثه حاليا في ايام العيد قناة سهيل اليمنيهِ الموجهة من تنظيم الاخوان (حزب الاصلاح) في اليمن.
الحلقات تتناول على سبيل التشهير والتهكم والتحريض سلوكيات وتصرفات وانشطة جماعة الحوثي الدينية.
في البداية انا شخصيا مع اي نقدا ساخرا لاذعا يتوخى اهداف ايجابية موضوعية من خلال تبطن فقراته الفنية لمدخلات ومضامين معرفية توعوية علاوه على فكاهيتها تساهم في تعزيز الوعي وصفل ذائقة الجمهور الفنية، وتمهد لطرح وجهه نظر موضوعية مغايرة للممارسات محل التعاطي النقدي، وتستوحي في ثناياها طالما وهي تتعاطى مسائل ذات طابع سياسي استحضار المفاهيم والقيم الوطنية وتستند على معايير النقد السياسي في الاعمال الفنية.
لكن المتابع الواعي واليقظ والمسئول لفقرات البرنامج (غاغة) يصاب بالصدمة كون الفقرات تنطوي على قدر كبير من السوقية والابتذال والسفاهة والوقاحة معا..
مادة تقود في محصلتها غير المباشرة الى ضخ وتكريس خطاب تعبوي تحريضي، يسطح الوعي ويبتذل الذائقة ويعمق الانقسام المجتمعي القائم، ويبث سموم الانتهازية السوقية الدينية دون ان يتضمن موضوعيا أي مدخلات او يتبطن أي مفاهيم بقوالب فنية تعزز جوامع اليمنيين المشتركة بل انه يفتقد لأدني المعايير والاعتبارات اللازمة لاحترام الذوق العام والوعي البسيط للجمهور.
لا اقول ذلك دفاعا عن ممارسات جماعة الحوثي الاستبدادية الانتهازية ولا احاكم مسلسل (غاغه ومفراغة) في سياق العلاقة الجدلية بين الصدق والكذب في العمل الفني، أو وفق الخصائص المميزة للابداع الفني، و إنما وفق أدنى معايير احترام الذوق العام ووعي الجمهور، و أيضا من منطلق خطورة المادة السياسية الدينية التي يقدمها البرنامج في ظل هكذا صراعات وانقسامات، وعلى اعتبار ان اي عمل فني درامي كوميدي أيا كانت مادته يجب ان تقولب مشاهده الادائية وعبر الصور الحسية والادوار الرمزية والدلالية ماده تثقيفية موضوعية ايجابيه تعالج مشكلات قائمة.
ان اعمال فنية بهذا القدر الفاجع من السخف والاستهتار والوضاعة لايمكن ان تفرز اي قيم ايجابية تحد من سلوكيات الحوثة او تعزز وعي الجمهور لمناهضة هذه الممارسات بأدوات ايجابية بناءة بقدر ماتستهدف وتفرز خظاب تعبوي تحريضي تفتيتي انتهازي، يعزز الانقسام المجتمعي والصراعي القائم بزج وعي الجمهور في توظيفات تعبوية حقيرة لصالح طرف ضد اخر، بل ليس ذلك فحسب انها فوق ذلك تسطح ذهنية الجمهور وتعيد انتاج ذائقته الجمالية والفنية والمعرفية بقوالب سوقية استلابية قشرية مريضة.
حين يتساوى الناقد السياسي في الحقارة والوضاعة والمرضية والسوقية مع الطرف محل النقد او يفوقه، فإن الحكاية تنقلب هنا تماما ويصبح وعاء النقد سوا كان فني او سياسي عبارة عن قنوات تحريضية قذرة تسعى لتوظيف المجتمع في اطار الصراع وتحشيد وعيه ومكانته للاستقواء بها ذهنيا ومعرفيا على الخصم السياسي.
اعتقد ان غالبية اليمنيين صاروا اليوم وبعد ما آلت اليه معطيات الحروب القائمة صاروا يدركوا الاهداف المريضة من ديموغاجية مثل هذا الخطاب التعبوي التحريضي الديني التأمري السوقي، وعما قريب فإنهم سيحددوا مواقفهم من دوائر هذه الانتلجنسيا الافيونية الادمانية التي تضخ هذا الخطاب من داخل المكونات والاحزاب الدينية كل منها ضد الاخر وعلى حساب مكتسبات اليمنيين التاريخية وهويتهم الواحدة.
لقد صار الكثير واعيا ولو قليلا بحقيةه هذه الجماعات الدينية وعدم قدرتها على ان تتمكن من شفاء نفسها من مرض تخوين الاخر وتخطي العقبات باتجاه التصالح العميق والحقيقي مع نفسها ومع الاخر ومع المشروع الكبير الجامع لليمنيين.
إن هذه الجماعات التي تتخندق بالدين وتضخ وسائل اعلامها وعي تحريضي انقسامي لتسطيح وعي اليمنيين ويفتت قواسمهم ويضعف هويتهم ويزج بهم في اتون صراع ضدا عن مصالحهم، ليست اكثر من جماعات مريضة تحمل مشاريع صغيرة يستحيل انجازها حتى وان وهن الشعب واضعفته الحروب، فقوة مكتسباته التاريخية اعظم من ادوات المشاريع الدينيه المريضية مهما استفحلت..!